الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.(تابع أعمال الحج والإحرام): قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُرْسِلُهُ، قُلْت: فَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدَيْهِ صَيْدٌ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْسِلُهُ، قُلْت: فَإِنْ أَحْرَمَ وَالصَّيْدُ مَعَهُ فِي قَفَصٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْسِلُهُ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَحْرَمَ وَهُوَ يَقُودُ صَيْدًا؟ قَالَ: نَعَمْ يُرْسِلُهُ إذَا كَانَ يَقُودُهُ. قُلْت: فَاَلَّذِي فِي بَيْتِهِ الصَّيْدُ لِمَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُرْسِلُهُ إذَا أَحْرَمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ أَسِيرُهُ وَقَدْ كَانَ مِلْكَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْرَمَ وَلَيْسَ هُوَ فِي يَدِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ مِنْ الصَّيْدِ إذَا هُوَ أَحْرَمَ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ حِينَ يُحْرِمُ فَأَرَى مَا فِي قَفَصِهِ أَوْ مَا يَقُودُهُ بِمَنْزِلَةِ هَذَا. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَحْرَمَ أَرْسَلَ كُلَّ صَيْدٍ كَانَ مَعَهُ، فَاَلَّذِي فِي قَفَصِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ فِي غَيْرِ قَفَصٍ وَاَلَّذِي يَقُودُهُ سَوَاءٌ عِنْدَنَا، قُلْت: فَكُلُّ صَيْدٍ صَادَهُ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى أَخَذَهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ مِنْ يَدِهِ فَأَرْسَلَاهُ أَيَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا فِي رَأْيِي لِأَنَّهُمَا إنَّمَا فَعَلَا فِي الصَّيْدِ مَا كَانَ يُؤْمَرُ هَذَا الَّذِي صَادَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِهِ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ الصَّيْدَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدَيْهِ فَأَتَى حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَأَرْسَلَهُ مَنْ يَدِهِ أَيَضْمَنُهُ لَهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَإِنْ رَجُلًا أَخَذَ صَيْدًا فَأَفْلَتَ مِنْهُ الصَّيْدُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ رَأَيْت أَنْ يَرُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَاسْتَوْحَشَ فَهُوَ لِمَنْ صَادَهُ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ، فَهَذَا الْمُحْرِمُ حِينَ أَحْرَمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرْسِلَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ إذَا أَرْسَلَهُ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، فَهُوَ إذَا أَلْزَمْته أَنْ يُرْسِلَهُ وَلَمْ أُجِزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَمَا يُرْسِلُهُ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ حِينَ أَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ الصَّيْدِ بِإِحْرَامِهِ، أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهُ مَعَهُ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، أَوْ لَا تَرَى أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ، أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهِ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَمَا حَلَّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا أَنْ يُرْسِلَهُ أَوْ لَا يُرْسِلُهُ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُرْسِلُهُ وَإِنْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ صَادَهُ وَهُوَ حَرَامٌ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يُرْسِلُهُ وَلْيَحْبِسْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ أَنْ يُرْسِلَهُ. وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ الَّذِي صَادَ الصَّيْدَ وَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَجِبْ لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ، فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ هَذَا الصَّيْدَ مِنْ يَدَيَّ هَذَيْنِ ضَمَانٌ لَهُمَا. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ صَادَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَتَاهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ لِيُرْسِلَاهُ مَنْ يَدَيْهِ فَتَنَازَعَاهُ فَقَتَلَاهُ بَيْنَهُمَا مَا عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: عَلَيْهِمَا فِي رَأْيِي إنْ كَانَا حَرَامَيْنِ الْجَزَاءُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي نَازَعَهُ حَلَالًا فَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ وَلَا قِيمَةَ لِهَذَا الْمُحْرِمِ عَلَى الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُحْرِمَ لَمْ يَمْلِكْ هَذَا الصَّيْدَ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ قَدْ كَانَ صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ حِينَ أَحْرَمَ، قُلْت: فَهَلْ يَضْمَنَانِ هَذَا الْجَزَاءَ لِهَذَا الْمُحْرِمِ إذَا نَازَعَاهُ فِي الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ حَتَّى قَتَلَاهُ؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ لَا أَرَى أَنْ يَضْمَنَا لَهُ الْجَزَاءَ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَرَادَا أَنْ يُرْسِلَا الصَّيْدَ مِنْ يَدِهِ فَنَازَعَهُمَا فَمَنَعَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمَا فَمَاتَ الصَّيْدُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْقَتْلَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ بَازَ الرَّجُلِ أَفْلَتَ مِنْهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ حَتَّى فَاتَ بِنَفْسِهِ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ، أَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَهَلْ تَحْفَظُ عَنْهُ فِي النَّحْلِ شَيْئًا إنْ هِيَ هَرَبَتْ مِنْ رَجُلٍ فَفَاتَتْ مِنْ فَوْرِهَا ذَلِكَ وَلَحِقَتْ بِالْجِبَالِ، أَتَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَ أَصْلُ النَّحْلِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَحْشِيَّةٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الْوَحْشِ فِي رَأْيِي. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّحْلِ يَخْرُجُ مِنْ جَبْحِ هَذَا إلَى جَبْحِ هَذَا وَمِنْ جَبْحِ هَذَا إلَى جَبْحِ هَذَا. قَالَ: إنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَاسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوهَا إلَى أَصْحَابِهَا رَدُّوهَا، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ ثَبَتَتْ فِي أَجْبَاحِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ حَمَامُ الْأَبْرِجَةِ. قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَكَمَيْنِ إذَا حَكَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَاخْتَلَفَا، أَيُؤْخَذُ بِأَرْفَقِهِمَا أَمْ يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ الْحَكَمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ غَيْرِ فَقِيهَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونَانِ إلَّا فَقِيهَيْنِ عَدْلَيْنِ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَكَمَا فَأَخْطَأَ حُكْمًا خَطَأً فِيمَا فِيهِ بَدَنَةٌ بِشَاةٍ أَوْ فِيمَا فِيهِ بَقَرَةٌ بِشَاةٍ أَوْ فِيمَا فِيهِ شَاةٌ بِبَدَنَةٍ، أَيُنْقَضُ حُكْمُهُمَا وَيُسْتَقْبَلُ الْحُكْمُ فِي هَذَا الصَّيْدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَإِنْ حَكَمَ حَكَمَانِ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ أَصَابَهُ مُحْرِمٌ فَحَكَمَا عَلَيْهِ فَأَصَابَا الْحُكْمَ، وَكَانَ أَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ فَفَعَلَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ بَعْدَمَا حَكَمَا عَلَيْهِ بِالنَّظِيرِ مِنْ النَّعَمِ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا أَوْ هُمَا؟ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ، قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ الْحَكَمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ دُونَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ مَنْ اعْتَرَضَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ قَبْلَهُ مَعْرِفَةً مِنْ ذَوِي الْعَدْلِ وَالْعِلْمِ بِالْحُكْمِ فِي ذَلِكَ لِذِي أَصْحَابِ الصَّيْدِ، فَحَكَمَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ سِبَاعَ الْوَحْشِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْتَدِئَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي السِّبَاعِ وَالنُّمُورِ الَّتِي تَعْدُو وَتَفْتَرِسُ، فَأَمَّا صِغَارُ أَوْلَادِهَا الَّتِي لَا تَعْدُو وَلَا تَفْتَرِسُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ السِّبَاعَ يَبْتَدِئُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْتَدِئْهُ. قُلْت: فَهَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَالثَّعْلَبِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالضَّبُعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ قَتَلَ الضَّبُعَ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ قَتَلَ الثَّعْلَبَ وَالْهِرَّ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ، قُلْت: فَإِنْ ابْتَدَأَنِي الثَّعْلَبُ وَالْهِرُّ وَالضَّبُعَ وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَتَلْتهَا، أَعَلَيَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْك وَهَذَا رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْت سِبَاعَ الطَّيْرِ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا لِلْمُحْرِمِ؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ قَتْلَ سِبَاعِ الطَّيْرِ كُلِّهَا وَغَيْرِ سِبَاعِهَا لِلْمُحْرِمِ، قُلْت: فَإِنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ سِبَاعَ الطَّيْرِ، أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ فِيهَا الْجَزَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ عَدَتْ عَلَيْهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ فَخَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَدَفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ فَقَتَلَهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَأْيِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدَا عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ سِبَاعُ الطَّيْرِ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مَنْ الطَّيْرِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ سِبَاعِهَا وَغَيْرِ سِبَاعِهَا، قُلْت: وَالْغُرَابُ لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَرَى بِهِ بَأْسًا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْهُدْهُدُ عِنْدَهُ وَالْخَطَّافُ؟ قَالَ: جَمِيعُ الطَّيْرِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ يُوَسِّعُ فِي أَكْلِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَرَى بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ بَأْسًا. قَالَ: وَلَا يُؤْكَلُ مِنْهَا إلَّا الذَّكِيُّ. قَالَ: وَلَا أَحْفَظُ فِي الْعَقْرَبِ مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا، أَوْ لَكِنْ أَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت لَهُ: وَهَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ أَكْلَ سِبَاعِ الْوَحْشِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَفَكَانَ مَالِكٌ يَرَى الْهِرَّ مِنْ السِّبَاعِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْكَلَ الْهِرُّ الْوَحْشِيُّ وَلَا الْأَهْلِيُّ وَلَا الثَّعْلَبُ. قُلْت: فَهَلْ تَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ شَيْءٍ سِوَى سِبَاعِ الْوَحْشِ، مِنْ الدَّوَابِّ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي التَّنْزِيلِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ؟ قَالَ: كَانَ يَنْهَى عَمَّا ذَكَرْت، فَمِنْهُ مَا كَانَ يَكْرَهُهُ، وَمِنْهُ مَا كَانَ يُحَرِّمُهُ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَكْلِ الْقُنْفُذِ وَالْيَرْبُوعِ وَالضَّبِّ وَالظَّرِبُ وَالْأَرْنَبُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الضَّبَّ وَالْيَرْبُوعَ وَالْأَرْنَبَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ يَحْكُمُ فِيهَا قِيمَتُهَا طَعَامًا، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي أَصَابَ ذَلِكَ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، وَإِنْ شَاءَ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْخِيَارِ. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ شَاةٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَحَمَامُ الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ حَمَامِ مَكَّةَ فِيهَا شَاةٌ شَاةٌ. قُلْت: فَمَا عَلَى مَنْ أَصَابَ بَيْضَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ فِي الْحَرَمِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَفِي أُمِّهِ شَاةٌ. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: حُكُومَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ حَمَامَ مَكَّةَ وَلَا حَمَامَ الْحَرَمِ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الْحَمَامَ إذَا أَحْرَمَ الْوَحْشِيَّ وَغَيْرَ الْوَحْشِيِّ، لِأَنَّ أَصْلَ الْحَمَامِ عِنْدَهُ طَيْرٌ يَطِيرُ. قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّ حَمَامًا عِنْدَنَا يُقَالُ لَهَا الرُّومِيَّةُ لَا تَطِيرُ إنَّمَا تُتَّخَذُ لِلْفِرَاخِ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي لِأَنَّهَا تَطِيرُ، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَذْبَحَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِمَّا يَطِيرُ. قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: أَفَيَذْبَحُ الْمُحْرِمُ الْإِوَزَّ وَالدَّجَاجَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَلَيْسَ الْإِوَزُّ طَيْرًا يَطِيرُ، فَمَا فَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمَامِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ أَصْلُهُ مِمَّا يَطِيرُ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ لَيْسَ أَصْلُهُ مِمَّا يَطِيرُ. قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَمَا أُدْخِلَ مَكَّةَ مِنْ الْحَمَامِ الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ، أَتَرَى لِلْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَهُ فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَدْ يَذْبَحُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ الصَّيْدَ إذَا دَخَلَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ، فَكَذَلِكَ الْحَمَامُ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُولُ وَهُمْ مُحِلُّونَ فِي دِيَارِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحُوا الصَّيْدَ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّمَا شَأْنُهُ الْأَيَّامُ الْقَلَائِلُ وَلَيْسَ شَأْنُهُمَا وَاحِدًا. قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجَرَادِ يَقَعُ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: لَا يَصِيدُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى أَيْضًا أَنْ يُصَادَ الْجَرَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى مَا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَنَّ فِيهِ جَزَاءً، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَلَكِنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ لَهُ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ. قَالَ مَالِكٌ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا اقْتَدَى بِهِ يَرَى بِالصَّيْدِ يَدْخُلُ بِهِ الْحَرَمَ عَنْ الْحِلِّ بَأْسًا، إلَّا عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي دُبْسِيِّ الْحَرَمِ؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ، وَإِنْ كَانَ الدُّبْسِيُّ وَالْقُمْرِيُّ مِنْ الْحَمَامِ عِنْدَ النَّاسِ فَفِيهِ مَا فِي حَمَامِ مَكَّةَ وَحَمَامِ الْحَرَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى فِيهِ شَاةً. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْيَمَامُ مِثْلُ الْحَمَامِ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي حَمَامِ الْحَرَمِ شَاةٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا الشَّاةُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ وَحَمَامِ الْحَرَمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَا لَا يَبْلُغُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ مِمَّا يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ بِشَاةٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ؛ صِيَامٌ أَوْ طَعَامٌ. قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذَا الثَّوْبَ. أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا فَيُهْدِيهِ، قُلْت: مِنْ أَيْنَ يَشْتَرِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: مِنْ الْحِلِّ فَيَسُوقُهُ إلَى الْحَرَمِ، فَإِنْ كَانَ فِي ثَمَنِهِ مَا يَبْلُغُ بَدَنَةً فَبَدَنَةٌ وَإِلَّا فَبَقَرَةٌ وَإِلَّا فَشَاةٌ، وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ؛ الثَّنِيَّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ وَالْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الثَّوْبِ إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِي ثَمَنِهِ هَدْيٌ؟ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْعَثُ بِثَمَنِهِ فَيُدْفَعُ إلَى خَزَّانِ مَكَّةَ فَيُنْفِقُونَهُ عَلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ. أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْسُو جِلَالَ بَدَنِهِ الْكَعْبَةَ، فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةَ تَصَدَّقَ بِهَا. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَبِيعُوهُ وَبَعَثُوا بِالثَّوْبِ نَفْسِهِ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لَهُمْ وَيُبَاعُ هُنَاكَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ هَدْيٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُبَاعُ الثَّوْبُ وَالْحِمَارُ وَالْعَبْدُ وَالْفَرَسُ وَكُلُّ مَا جُعِلَ مِنْ الْعُرُوضِ هَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ ثَوْبِي هَذِي هَدْيٌ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ هَدْيًا وَبَعَثَهُ فَفَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ، بَعَثَ بِالْفَضْلِ إلَى خُزَّانِ الْكَعْبَةِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَضْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَدْيٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ حَرَامًا أُهْدِيكَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا، وَإِنْ قَالَ: لَا بَلْ لَهُ هِيَ هَدْيٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ، أَهْدَاهَا كُلَّهَا إنْ كَانَتْ مَالَهُ كُلَّهُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ يَمْلِكُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ هُوَ يُهْدِيهِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا فَيُهْدِيهِ. قَالَ: وَإِنْ قَالَ لِمَا لَا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ دَارِ غَيْرِهِ وَهُوَ يُهْدِيهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءً. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ كُلِّهِ لِلْمُحْرِمِ، وَصَيْدِ الْأَنْهَارِ وَالْغُدُرِ وَالْبِرَكِ، فَإِنْ أَصَابَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْكَلُ كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ الطَّافِي وَغَيْرُ الطَّافِي مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كُلِّهِ وَيَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الضَّفَادِعُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: تُرْسُ الْمَاءِ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تُرْسِ الْمَاءِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُذْبَحْ أَيُؤْكَلُ؟ فَقَالَ: إنِّي لِأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُتْرَكَ تُرْسُ الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِزَكَاةٍ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي جُرَّةٍ فِيهَا صَيْدٌ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَجَدَ فِيهَا ضَفَادِعَ مَيِّتَةً، فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْمَاءِ، قُلْت: فَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي تُرْسِ الْمَاءِ هَذِهِ السُّلَحْفَاةُ الَّتِي فِي الْبَرَارِيِّ؟ قَالَ: مَا سَأَلْت مَالِكًا عَنْهَا، وَمَا أَشُكُّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرَارِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، فَإِذَا ذُكِّيَتْ أُكِلَتْ وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةٍ وَلَا يَصِيدُهَا الْمُحْرِمُ. قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ إذَا صَادَ طَيْرًا فَنَتَفَهُ، ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى نَسَلَ فَطَارَ؟ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا نَسَلَ فَطَارَ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا أَصَابَ صَيْدًا خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَكَانَ أَوَّلَ مَا أَصَابَ الصَّيْدَ أَوْ قَدْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى مَنْ قَطَعَ شَجَرَ الْحَرَمِ جَزَاءٌ يُحْكَمُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ بِالِاسْتِغْفَارِ. قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَذَبَحَهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ إلَّا بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ، قُلْت: فَإِنْ أَطْعَمَ لَحْمَهُ الْمَسَاكِينَ وَذَلِكَ يَبْلُغُ سُبْعَ عَدَدِ قِيمَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْأَمْدَادِ لَوْ أَطْعَمَ الْأَمْدَادَ؟ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ فِي رَأْيِي. قُلْت لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءُ صَيْدٍ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ طَعَامًا فَأَعْطَى الْمَسَاكِينَ ثَمَنَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا؟ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ فِي رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْت مَا كَانَ مَنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ مَنْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ هَدْيٍ تَمَتُّعٍ أَوْ فَسَادِ حَجٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، سُرِقَ مَنْ صَاحِبِهِ بَعْدَمَا قَلَّدَهُ بِمِنًى أَوْ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحَرَمَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ ضَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهُ، فَلَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ. قَالَ: وَكُلُّ هَدْيِ تَطَوُّعٍ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ سُرِقَ فَلَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ذَبَحَ هَدْيًا وَاجِبًا عَلَيْهِ فَسُرِقَ مِنْهُ بَعْدَمَا ذَبَحَهُ أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ يُجْزِئُهُ فِي رَأْيِي. قَالَ مَالِكٌ: يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ إلَّا ثَلَاثًا، جَزَاءَ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةَ وَكُلَّ هَدْيٍ نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَأْكُلُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْهَدْيِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ أَكَلَ مَنْ هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْفِدْيَةِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكَلَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. قُلْت: فَإِنْ أَطْعَمَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْفِدْيَةِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يُطْعِمُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا مِنْ الْفِدْيَةِ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا مَجُوسِيًّا، قُلْت: فَإِنْ أَطْعَمَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ أَوْ النَّصَارَى أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ، لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ فَأَطْعَمَ فِيهِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ. قُلْت: فَنَذَرَ الْمَسَاكِين إنْ أَكَلَ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ هَدْيُ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا بِمَنْزِلَةِ الْفِدْيَةِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُتْرَكَ الْأَكْلُ مِنْهُ، قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ، وَأَرَى أَنْ يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ قَدْرَ مَا أَكَلَ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَطْعَمَ الْأَغْنِيَاءَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْفِدْيَةِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، أَوْ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدْ ذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْت الصِّيَامَ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ أَمُتَتَابِعٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يُتَابِعْ، وَإِنْ تَابَعَ فَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَطَأُ بَعِيرُهُ عَلَى ذُبَابٍ أَوْ ذَرٍّ أَوْ نَمْلٍ فَيَقْتُلُهُمْ، أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ طَرَحَ الْحَلَمَةَ أَوْ الْقُرَادَ أَوْ الْحَمْنَانَ أَوْ الْبُرْغُوثَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ: وَإِنْ طَرَحَ الْحَمْنَانَ وَالْحَلَمَ وَالْقُرَادَ عَنْ بَعِيرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ. قَالَ مَالِكٌ: إنْ طَرَحَ الْعَلَقَةَ عَنْ بَعِيرِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ دَابَّةِ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قُلْت: أَرَأَيْت الْبَيْضَ بَيْضَ النَّعَامِ إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فَشَوَاهُ، أَيَصْلُحُ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ أَوْ لِحَرَامٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ أَوْ لِحَرَامٍ فِي رَأْيِي. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَهُ فَأَخْرَجَ جَزَاءَهُ لَمْ يَصْلُحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ عَلَى وَجْهٍ الْإِحْلَالِ وَالرَّفْضِ لِإِحْرَامِهِ فَانْفَلَتَ وَتَرَكَ إحْرَامَهُ، فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَالنِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَنَحْوَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ؟ قَالَ: أَمَّا مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ بَعْدَ جَزَاءٍ لِكُلِّ صَيْدٍ، وَأَمَّا اللِّبَاسُ وَالطِّيبُ كُلُّهُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ لَبِسَهُ وَتَطَيَّبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا جِمَاعُ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ فَعَلَهُ مِرَارًا. قُلْت: أَرَأَيْت فَمَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي الْحِلِّ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، مَاذَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُعْتَمِرُ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فِيمَا بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، فَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْحِلِّ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. قُلْت لَهُ: أَفَيَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى أَبٍ أَوْ أَخٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُدَبَّرَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ؟ قَالَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْت مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ شَيْئًا. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَ هَؤُلَاءِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَكَذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ أَيْضًا عِنْدِي. قُلْت: أَفَيَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ أَوْ التَّطَوُّعِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ قَالَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: أَيُّ الطَّعَامِ يُقَوَّمَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقَوِّمُوهُ عَلَيْهِ، أَحِنْطَةٌ أَمْ شَعِيرٌ أَمْ تَمْرٌ؟ قَالَ: حِنْطَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: فَإِنْ قَوَّمُوهُ شَعِيرًا أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَجْزَأَهُ، قُلْت: وَكَمْ يَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ الشَّعِيرِ أَمُدًّا أَمْ مُدَّيْنِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مُدًّا مُدًّا مِثْلَ الْحِنْطَةِ، قُلْت: فَإِنْ قَوَّمُوهُ عَلَيْهِ تَمْرًا أَيُجْزِئُهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى إنْ كَانَ ذَلِكَ طَعَامُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَجْزَأَهُ وَيَتَصَدَّقُ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدٍّ مُدٍّ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ. قُلْت: فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِمِّصٌ أَوْ عَدَسٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْقَطَانِيِّ إنْ كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَصَابُوا الصَّيْدَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُجْزِئَ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ مَا لَا يُجْزِئُ أَنْ يُؤَدِّيَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، قُلْت: أَفَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ أَقِطًا أَوْ زَبِيبًا؟ قَالَ: هُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْت لَك فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ. قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى، أَيُطْعِمُ بِالْمُدِّ الْهِشَامِيِّ أَوْ بِمُدِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: بِمُدِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَيْسَ يُطْعِمُ بِالْهِشَامِيِّ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَحْدَهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِثَلَاثِينَ مُدًّا فَأَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا فَلَمْ يَجِدْ الْعَشَرَةَ تَمَامَ الثَّلَاثِينَ، أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَا إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ كُلُّهُ أَوْ صِيَامٌ كُلُّهُ فِي رَأْيِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ مِثْلُ الظِّهَارِ، لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ فِي النَّهَارِ شَهْرًا وَيُطْعِمُ ثَلَاثِينَ مِسْكَيْنَا، إنَّمَا هُوَ الصِّيَامُ أَوْ الطَّعَامُ، قُلْت لَهُ: فَهَلْ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ جَزَاءً إذَا لَمْ يَجِدْ تَمَامَ الْمَسَاكِينِ؟ قَالَ: نَعَمْ يُجْزِئُهُ إذَا أَنْفَذَ بَقِيَّتَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ. قُلْت: أَرَأَيْت جَزَاءَ الصَّيْدِ وَمَا كَانَ مِنْ الْهَدْيِ عَنْ جِمَاعٍ وَهَدْيِ مَا نَقَصَ مِنْ حَجِّهِ أَيُشْعِرُهُ وَيُقَلِّدُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إلَّا الْغَنَمَ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَا يَنْحَرُهُ إذَا كَانَ فِي الْحَجِّ إذَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَجِّ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى نَحَرَهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسُوقُهُ إلَى الْحِلِّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ وَنَحَرَهُ بِمَكَّةَ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ. قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فِي عُمْرَةٍ، نَحَرَهُ بِمَكَّةَ إذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْهَدْيُ مِنْ شَيْءٍ نَقَصَهُ مِنْ عُمْرَتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ، أَوْ هَدْيَ نَذْرٍ أَوْ هَدْيَ تَطَوُّعٍ أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، يَنْحَرُهُ إذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَنْحَرْهُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، إلَّا مَا كَانَ مِنْ هَدْيِ الْجِمَاعِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي قَضَائِهَا أَوْ بَعْدَ قَضَائِهَا بِمَكَّةَ. قُلْت: أَرَأَيْت مِنْ فَاتَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَمَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ، أَيُجْزِئُهُ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا مَوْضِعَ الدَّمِ الَّذِي لَزِمَهُ أَمْ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا الصِّيَامُ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُهَرِيق دَمًا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ حَتَّى قَدَرَ عَلَى الدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي بِلَادِهِ، قُلْت: فَهَلْ يَبْلُغُ شَيْءٌ مِنْ هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ دَمَّيْنِ؟ قَالَ: لَا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا وَلَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْغَنَمِ، قُلْت: فَإِنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ، نَظِيرُهُ مِنْ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: اُحْكُمْ عَلَيَّ مِنْ النَّعَمِ مَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْبَعِيرِ أَوْ مِثْلَ قِيمَةِ الْبَعِيرِ. قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا. قَالَ: وَلَا أَرَى أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ إلَّا بِنَظِيرِ مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ إنْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ فَمِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْغَنَمِ فَمِنْ الْغَنَمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَقَرِ فَمِنْ الْبَقَرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ فِي نُحُولِهِ وَعَظْمِهِ. قُلْت: أَرَأَيْت مِنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ وَمَعَ هَدْيٍ أَيَنْحَرُهُ قَبْلَ يَوْمَ النَّحْرِ أَمْ يُؤَخِّرُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَيُقِيمَ هُوَ حَرَامًا؟ قَالَ: إنْ خَافَ عَلَى هَدْيِهِ لِطُولِ مَرَضِهِ بَعَثَ بِهِ فَنُحِرَ بِمَكَّةَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى الْهَدْيِ وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا حَبَسَهُ حَتَّى يَسُوقَهُ مَعَهُ، قَالَ وَهَذَا رَأْيِي. .(تابع أعمال الحج والإحرام): قَالَ: فِي الْقَضَاءِ مِنْ قَابِلٍ، قُلْت: فَإِنْ بَعَثَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ حَجَّهُ أَيُجْزِئُهُ؟ فَقَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ هَذَا، فَقَالَ: لَا يُقَدِّمُ هَدْيَهُ وَلَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي حَجٍّ قَابِلٍ. قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنَّهُ يَخَافُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ فَلَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي حَجٍّ قَابِلٍ. قُلْت: فَإِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ مَا فَاتَهُ حَجُّهُ فَنَحَرَ هَدْيَ فَوَاتِ حَجِّهِ فِي عُمْرَتِهِ هَلْ يُجْزِئُهُ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ فِي رَأْيِي، وَإِنَّمَا رَأَيْت ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أُهْدِيَ عَنْهُ لِمَكَانِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا أُهْدِيَ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَدْ كَانَ خَفَّفَهُ ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ بَعْدُ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ إلَّا بَعْدُ، فَإِنْ فَعَلَ وَحَجَّ أَجْزَأَ عَنْهُ. قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ إذَا أَصَابَهُ أَذًى فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ، أَيَنْحَرُ هَدْيَ الْأَذَى الَّذِي أَمَاطَ عَنْهُ بِمَوْضِعِهِ حَيْثُ هُوَ، أَمْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُهُ حَيْثُ أَحَبَّ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَفْرَدَ رَجُلٌ الْحَجَّ فَجَامَعَ فِي حَجِّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ، أَلَهُ أَنْ يُضِيفَ الْعُمْرَةَ إلَى حَجَّتِهِ الَّتِي هِيَ قَضَاءٌ لِحَجَّتِهِ الَّتِي جَامَعَ فِيهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا، فِي رَأْيِي، قُلْت: فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا عُمْرَةً أَتُجْزِئُهُ حَجَّتُهُ مِنْ حَجَّتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ حِينَ أَضَافَ إلَيْهَا الْعُمْرَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يُجْزِئَهُ إلَّا أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ كَمَا أَفْسَدَهُ. قَالَ: لِأَنَّ الْقَارِنَ لَيْسَ حَجُّهُ تَامًّا كَتَمَامِ الْمُفْرِدِ إلَّا بِمَا أَضَافَ إلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُقَلِّدُ الْهَدْيَ كُلَّهُ وَيُشْعِرُ. قَالَ: وَفِدْيَةُ الْأَذَى إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ وَلَا يُقَلِّدُ وَلَا يُشْعِرُ. قَالَ: وَمَنْ شَاءَ قَلَّدَ وَجَعَلَهُ هَدْيًا وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ. قَالَ: وَالْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ وَتُشْعَرُ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَلَا تُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ لَا تُقَلَّدُ وَلَا تُشْعَرُ وَالْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ أَسْنِمَتِهَا. قَالَ: وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ الَّذِي يَجْهَلُ أَنْ يُقَلِّدَ بَدَنَتَهُ أَوْ يُشْعِرُهَا مِنْ حَيْثُ سَاقَهَا حَتَّى نَحَرَهَا وَقَدْ أَوْقَفَهَا. قَالَ: تُجْزِئُهُ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُقَلِّدَ بِالْأَوْتَارِ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تُشْعَرُ فِي أَسْنِمَتِهَا عَرْضًا. قَالَ: وَسَمِعْت أَنَا مَالِكًا يَقُولُ: تُشْعَرُ فِي أَسْنِمَتِهَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ عَرْضًا. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْطَعُ أَحَدٌ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئًا، فَإِنْ قَطَعَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ أَنْبَتَهُ النَّاسُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الشَّجَرِ مِثْلُ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ الْبَقْلُ، كُلُّهُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالْخَسِّ وَالسَّلْقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّنَا وَالْإِذْخِرِ أَنْ يُقْلَعَ فِي الْحَرَمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي الْحَشِيشِ، وَالشَّجَرِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَنْ يُحْتَشَّا فِي الْحَرَمِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْتُلَا الدَّوَابَّ، وَالْحَرَامُ فِي الْحِلِّ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ سَلِمَا مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ إذَا اُحْتُشَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَرَجُلٌ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَخْبِطُ شَجَرَةً، فَبَعَثَ إلَيْهِ فَارِسَيْنِ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الْخَبْطِ. قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «هُشُّوا وَارْعَوْا». قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: مَا الْهَشُّ؟ قَالَ: يَضَعُ الْمِحْجَنَ فِي الْغُصْنِ فَيُحَرِّكُهُ حَتَّى يَسْقُطَ وَرَقُهُ وَلَا يَخْبِطُ وَلَا يَعْضِدُ، وَمَعْنَى الْعَضْدِ الْكَسْرُ، قُلْت: فَهَلْ يَقْطَعُ الشَّجَرَ الْيَابِسَ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: لَا يُقْطَعُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ، قُلْت: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هُوَ قَوْلُهُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا وُلِّيَ وَحَجَّ وَدَخَلَ مَكَّةَ، أَخَّرَ الْمَقَامَ إلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ وَقَدْ كَانَ مُلْصَقًا بِالْبَيْتِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَقَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانُوا قَدَّمُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ السَّيْلُ، فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ أَخْرَجَ أُخْيُوطَةً كَانَتْ فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ قَدْ كَانُوا قَاسُوا بِهَا مَا بَيْنَ مَوْضِعِهِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ إذْ قَدَّمُوهُ مَخَافَةَ السَّيْلِ، فَقَاسَهُ عُمَرُ فَأَخَّرَهُ إلَى مَوْضِعِهِ الْيَوْمَ فَهَذَا مَوْضِعُهُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَعَلَى عَهْدِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ: وَسَارَ عُمَرُ فِي أَعْلَامِ الْحَرَمِ وَاتَّبَعَ رُعَاةً قُدَمَاءَ كَانُوا مَشْيَخَةً بِمَكَّةَ كَانُوا يَرْعَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى تَتَبَّعَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ فَحَدَّدَهُ، فَهُوَ الَّذِي حَدَّدَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ وَنَصَبَهُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يُرِيَ إبْرَاهِيمَ مَوْضِعَ الْمَنَاسِكِ، أَوْحَى إلَى الْجِبَالِ أَنْ تَنْحَنِي لَهُ فَنِيخَتْ لَهُ حَتَّى أَرَاهُ مَوَاضِعَ الْمَنَاسِكِ، فَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مُعَلَّمًا لِصَاحِبِهِ. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ تُرِيدُ الْحَجَّ وَلَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ؟ قَالَ: تَخْرُجُ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بُعِثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مَعَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هَدْيًا نَذَرَهُ صَاحِبُهُ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ جَزَاءُ الصَّيْدِ أَوْ فَدِيَةُ الْأَذَى، فَلَا يَأْكُلُ هَذَا الْمَبْعُوثُ مَعَهُ شَيْئًا مِنْهُ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ مَعَهُ مِسْكَيْنَا؟ قَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إنْ كَانَ مِسْكِينًا. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيَجُوزُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ ذَوَاتُ الْعُوَارِ؟ قَالَ، لَا، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْفِدْيَةُ أَيَجُوزُ فِيهَا ذَوَاتُ الْعُوَارِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: أَفَيَجُوزُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدْيِ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَجُلُودُ الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَفِي الْأَضَاحِيّ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جُلُودُهَا بِمَنْزِلَةِ لَحْمِهَا يَصْنَعُ بِجُلُودِهَا مَا يَصْنَعُ بِلَحْمِهَا، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ عَلَى جَزْرِهِ الْهَدْيَ وَالضَّحَايَا وَالنُّسُكَ مَنْ لُحُومِهَا وَلَا مَنْ جُلُودِهَا شَيْئًا مِنْهَا، قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَا خَطْمُهَا وَجِلَالُهَا عِنْدَك؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مَكَّةَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى ثُمَّ خَرَجَ إلَى الطَّائِفِ فِي حَاجَةٍ لَهُ قَبْلَ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ ثُمَّ أُحْصِرَ، أَيُجْزِئُهُ طَوَافُهُ الْأَوَّلُ عَنْ إحْصَارِهِ؟ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الطَّوَافُ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ، فَلَمْ يَشْهَدْ الْمَوْسِمَ مَعَ النَّاسِ لَمْ يُجْزِهِ طَوَافُهُ الْأَوَّلُ مِنْ إحْصَارِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ يَحِلُّ بِهِ، قُلْت: فَإِذَا طَافَ طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ مَا فَاتَهُ الْحَجُّ لِيَحِلَّ بِهِ أَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضِ فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَقَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ أَحُصِرَ بِمَرَضٍ أَنْ يَحِلَّ إلَّا بَعْدَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحْلِقَ. قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ، فَمَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ دَمٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَخَّرَ الْحِلَاقَ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى رَجَعَ إلَى مَكَّةَ حَلَقَ بِمَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ نَسِيَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بِلَادِهِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَحْلِقُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَهُوَ رَأْيِي. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ نَسِيَ أَيَّامَ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى. قَالَ: فَإِنَّ حَجَّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ بَدَنَةً. قَالَ: وَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَا تَرَكَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَلِتَرْكِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلِتَرْكِ الْمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى بِمِنًى هَدْيُ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. قُلْت: أَرَأَيْت إذَا حَجَّ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ فَجَامَعَهَا مَتَى يَفْتَرِقَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَضَاءِ حَجِّهِمَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَجَّا قَابِلًا افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَحِلَّا، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ، أَوْ كَانَ قَرِيبًا مَنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَهُوَ تَارِكٌ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي يَوْمِهِ هَذَا؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ إذَا كَانَ وَطْؤُهُ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ، وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدِي سَوَاءٌ. لِأَنَّ الرَّمْيَ لَهُ إلَى اللَّيْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَكُنْ رَمَى الْجَمْرَةَ. قَالَ: فَحَجُّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ وَيُهْدِي. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ فَإِنْ كَانَ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجُّهُ تَامٌّ وَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ. قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ أَوَّلَ مَا دَخَلَ مَكَّةَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ جَامَعَ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ قَابِلًا أَمْ الْحَجُّ وَحْدَهُ؟ قَالَ: لَا بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، قُلْت: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَلِمَ لَا تَكُونُ عُمْرَتُهُ قَدْ تَمَّتْ حِينَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّوَافَ وَذَلِكَ السَّعْيَ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ وَحْدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا فَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجَامِعْ ثُمَّ مَضَى عَلَى الْقِرَانِ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجَّتِهِ وَأَجْزَأَهُ السَّعْيُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ إذَا كَانَ قَارِنًا إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا لَيْسَ لِلْعُمْرَةِ وَحْدَهَا. قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ جَامَعَ فِي حَجَّتِهِ، أَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَنَسِيَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى جَامَعَ امْرَأَتَهُ، أَوْ طَافَ سِتَّةَ أَشْوَاطٍ أَوْ خَمْسَةَ أَشْوَاطٍ فَفَطِنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الطَّوَافَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ ذَكَر أَنَّهُ إنَّمَا طَافَ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً، أَوْ ذَكَرَ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الطَّوَافَ وَلَمْ يُصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: هَذَا يَمْضِي فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَعْيًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَيَعْتَمِرُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْت رَجُلًا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَجَامَعَ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَمَا جَامَعَ فِي عُمْرَتِهِ أَيَكُونُ قَارِنًا أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ قَارِنًا، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا دَهَنَ رَأْسَهُ بِالزَّيْتِ غَيْرِ الْمُطَيِّبِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مِثْلُ فِدْيَةِ الْأَذَى. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَهَنَ رَأْسَهُ بِالزِّئْبَقِ وَبِالْبَانِ أَوْ بِالْبَنَفْسَجِ أَوْ شَيْرَجِ الْجُلْجُلَانِ أَوْ بِزَيْتِ الْفُجْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُطَيِّبُ وَغَيْرُ الْمُطَيِّبِ مِنْهُ إذَا ادَّهَنَ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَهُ فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ بِزَيْتٍ أَوْ بِشَحْمٍ أَوْ وَدَكٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَهَنَ ذَلِكَ بِطِيبٍ كَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْت لَهُ: هَلْ يُجَوِّزُ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ بِأَنْ يَأْتَدِمَ بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ فِي طَعَامِهِ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ مِثْلُ السَّمْنِ عِنْدِي، قُلْت: وَكَذَلِكَ زَيْتُ الْفُجْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتَدِمَ بِبَعْضِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ مِثْلِ الْبَنَفْسَجِ وَالزِّئْبَقِ أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَسْعِطَ الْمُحْرِمُ بِالزِّئْبَقِ وَالْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَإِذَا كَرِهَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِطَ بِهِ فَهُوَ يَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ. قُلْت لَهُ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَسْعِطَ بِالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يَجْعَلُ فِي شَرَابِهِ الْكَافُورَ، أَيَشْرَبُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَكَرِهَهُ وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، قُلْت لَهُ: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمَّ الطِّيبِ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ شَمَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِيهِ بَأْسًا. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمُرَّ فِي مَوَاضِعِ الْعَطَّارِينَ؟ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ فَكَرِهَهُ، وَرَأَى مَالِكٌ أَنْ يُقَامَ الْعَطَّارُونَ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَّامَ الْحَجِّ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَّجِرَ بِالطِّيبِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ يَشُمُّهُ أَوْ يَمَسُّهُ، قُلْت لَهُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمَّ الْيَاسَمِينِ وَالْوَرْدِ وَالْخَيَلِي وَالْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمَّ الرَّيَاحِينِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الرَّيَاحِينِ وَيَقُولُ مَنْ فَعَلَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِيهِ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالرَّيْحَانِ أَوْ يَشُمَّهُ، وَيَقُولُ إنْ شَمَّهُ رَأَيْته خَفِيفًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْحُرْضِ. قَالَ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الدَّقَّة الَّتِي فِيهَا الزَّعْفَرَانُ، قُلْت: فَإِنْ أَكَلَهَا أَيَفْتَدِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت لَهُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُحْرِمَ فِي ثَوْبٍ يَجِدُ فِيهِ رِيحَ الْمِسْكِ أَوْ الطِّيبَ؟ قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي تَابُوتِهِ الْمِسْكُ فَتَكُونُ فِيهِ مِلْحَفَتُهُ فَيُخْرِجُهَا لِيُحْرِمَ فِيهَا وَقَدْ عَلِقَ بِهَا رِيحُ الْمِسْكِ؟ قَالَ مَالِكٌ لَا يُحْرِمُ فِيهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا أَوْ يَنْشُرَهَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُبَدِّلَ ثِيَابَهُ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا وَأَنْ يُبَدِّلَهَا. قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَكَلَ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فِيهِ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا مَسَّتْهُ النَّارُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ يَمَسُّ الطِّيبَ لَا يَشُمُّهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ هَذَا كَالطِّيبِ يَلْصَقُ بِيَدِهِ أَوْ لَا يَلْصَقُ بِيَدِهِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَنَا: إذَا مَسَّ الطِّيبَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِينَ يَمَسُّهُمْ خَلُوقُ الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَفِيفًا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ، لِأَنَّهُمْ إذَا دَخَلُوا الْبَيْتَ لَمْ يَكَادُوا أَنْ يَسْلَمُوا مِنْ ذَلِكَ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ تُخَلَّقَ الْكَعْبَةُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ؟ قَالَ: مَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ لَا تُخَلَّقَ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَعَمَّدَ الْمُحْرِمُ شَمَّ الطِّيبِ وَلَمْ يَمَسَّهُ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى فِيهِ شَيْئًا. قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُحْرِمِ يَكْتَحِلُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ الْمُحْرِمُ مِنْ حَرٍّ يَجِدُهُ فِي عَيْنَيْهِ، قُلْت: بِالْإِثْمِدِ وَغَيْرِ الْإِثْمِدِ مِنْ الْأَكْحَالِ الصَّبْرِ وَالْمُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ يَجِدُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ طِيبٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ افْتَدَى، قُلْت: فَإِنْ اكْتَحَلَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ حَرٍّ يَجِدُهُ فِي عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِزِينَةٍ؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَكْتَحِلَ لِزِينَةٍ، قُلْت لَهُ: فَإِنْ فَعَلَ وَاكْتَحَلَ لِزِينَةٍ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، قُلْت: فَالْمَرْأَةُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ لِزِينَةٍ، قُلْت: أَفَتَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِغَيْرِ زِينَةٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ الْإِثْمِدُ هُوَ زِينَةٌ فَلَا تَكْتَحِلُ الْمُحْرِمَةُ بِهِ، قُلْت: فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْإِثْمِدِ مِنْ وَجَعٍ تَجِدُهُ فِي عَيْنِهَا فَاكْتَحَلَتْ، أَيَكُونُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْفِدْيَةُ؟ قَالَ: لَا فَدِيَةَ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّ الْإِثْمِدَ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا اكْتَحَلَتْ بِهِ لِضَرُورَةٍ وَلَمْ تَكْتَحِلْ بِهِ لِزِينَةٍ، قُلْت: فَإِنْ اكْتَحَلَتْ بِالْإِثْمِدِ لِزِينَةٍ أَيَكُونُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَا بَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا إذَا اكْتَحَلَا بِالْإِثْمِدِ مِنْ ضَرُورَةٍ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمَا مَالِكٌ الْفِدْيَةَ، وَإِذَا اكْتَحَلَا لِزِينَةٍ جَعَلَ عَلَيْهِمَا الْفِدْيَةَ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ دَهَنَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ بِالزَّيْتِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِلزِّينَةِ كَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ دَهَنَ شُقُوقًا فِي يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ بِالزَّيْتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، فَالضَّرُورَةُ عِنْدَ مَالِكٍ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ فِي هَذَا وَإِنْ كَانَ الْإِثْمِدُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَهُوَ مِثْلُ الزَّيْتِ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ الزَّيْتَ لَيْسَ بِطِيبٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَصَابَ الْمُحْرِمَ الرَّمَدُ فَدَاوَاهُ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ مِرَارًا أَتَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ مَرَّةٍ؟ قَالَ: بَلْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ مَا دَاوَى بِهِ رَمَدَهُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ انْقَطَعَ رَمَدُهُ ذَلِكَ ثُمَّ رَمِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَدَاوَاهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ أُخْرَى، لِأَنَّ هَذَا وَجْهٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَأَمْرٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ. قُلْت: وَكَذَلِكَ الْقُرْحَةُ تَكُونُ فِي الْجَسَدِ فَيُدَاوِيهَا بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ مِرَارًا؟ قَالَ: نَعَمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، إذَا أَرَادَ أَنْ يُدَاوِيَهَا حَتَّى تَبْرَأَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، قُلْت: فَإِنْ ظَهَرَتْ بِهِ قُرْحَةٌ أُخْرَى فِي جَسَدِهِ فَدَاوَاهَا بِذَلِكَ الدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ الطِّيبُ؟ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ لِهَذِهِ الْقُرْحَةِ الْحَادِثَةِ لِأَنَّ هَذَا دَوَاءٌ تَدَاوَى بِهِ مُبْتَدَأٌ فِيهِ طِيبٌ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَرِبَ الْمُحْرِمُ دَوَاءً فِيهِ طِيبٌ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِهِ. قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي. قَالَ: وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يَشْرَبُ الشَّرَابَ فِيهِ الْكَافُورُ فَكَرِهَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الزَّعْفَرَانِ يَأْكُلهُ بِالْمِلْحِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَقَدْ كَرِهَهُ وَجَعَلَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَهُوَ رَأْيِي. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ رَبَطَ الْجَبَائِرَ عَلَى كَسْرٍ أَصَابَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْت: أَرَأَيْت كُلَّ مَا تَدَاوَى بِهِ الْقَارِنُ مِمَّا احْتَاجَ إلَيْهِ مَنْ الطِّيبِ، أَتَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَمْ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ عَلَى الْقَارِنِ فِيهِ شَيْءٌ فِيهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا تَطَيَّبَ بِهِ أَوْ نَقَصَ مِنْ حَجِّهِ، إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الْوَشْمَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَخَضَّبَتْ يَدَيْهَا أَوْ رِجْلَيْهَا أَوْ رَأْسَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهَا عِنْدَ مَالِكٍ الْفِدْيَةُ، قُلْت: وَإِنْ طَرَّفَتْ أَصَابِعَهَا بِالْحِنَّاءِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا خَضَّبَ إصْبَعًا مِنْ أَصَابِعِهِ بِالْحِنَّاءِ لِجُرْحٍ أَصَابَهُ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إنْ كَانَتْ رُقْعَةً كَبِيرَةً فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى الْحِنَّاءَ طِيبًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ دَاوَى جِرَاحَاتِهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ بِرُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْحِنَّاءِ وَالطِّيبِ؟ إذَا كَانَ الْحِنَّاءُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قَلِيلُ الرُّقْعَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَلَا طَعَامَ وَلَا شَيْءَ، وَقَدْ جَعَلَ مَالِكٌ الْحِنَّاءَ طِيبًا فَإِذَا كَانَ الدَّوَاءُ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا. قَالَ: لِأَنَّ الْحِنَّاءَ إنَّمَا هُوَ طِيبٌ مِثْلُ الرَّيْحَانِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَنَّثِ مِنْ الطِّيبِ إنَّمَا هُوَ شَبَهُ الرَّيْحَانِ لِأَنَّ الْمُذَكَّرَ مِنْ الطِّيبِ إنَّمَا تَخْتَضِبُ بِهِ لِلزِّينَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَنَّثِ مِنْ الطِّيبِ. وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحْرِمِ يَشُمُّ الرَّيْحَانَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَا أَرَى فِيهِ فِدْيَةً إنْ فَعَلَ قُلْت: وَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ الْقُفَّازَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ فَعَلَتْ أَيَكُونُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْبُرْقُعُ لِلْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ الْمَاءَ مَنْ حَرٍّ يَجِدُهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: وَإِنْ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَرٍّ يَجِدُهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ دُخُولَ الْحَمَّامِ؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْحَمَّامَ يُنَقَّى وَسَخُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا تَدَلَّكَ وَأَنْقَى الْوَسَخَ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُغَيَّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: لِمَ كَرِهَ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يُغَيَّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِقَتْلِ الدَّوَابِّ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَلَا يَزُرَّهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَفَكَانَ يَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطْرَحَ قَمِيصَهُ عَلَى ظَهْرِهِ يَتَرَدَّى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: وَلِمَ كَرِهَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ فِي قَبَائِهِ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ وَلَمْ يَزُرَّهُ؟ قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ الدُّخُولَ فِي الْقَبَاءِ لِبَاسٌ لَهُ فَلِذَلِكَ كَرِهَهُ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ فِي الْخَزِّ لِلْحَلَالِ أَنْ يَلْبَسَهُ؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْخَزَّ لِلرِّجَالِ لِمَوْضِعِ الْحَرِيرِ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْعَصَبِ عَصَبِ الْيَمَنِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ غَيْرَ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَكْرَهُ شَيْئًا مَا خَلَا الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ وَالْمُعَصْفَرَ الْمُفَدَّمَ الَّذِي يُنْتَفَضُ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ لُبْسَ الْخَزِّ كَمَا يَكْرَهُهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي الْخَزِّ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَالَ لَنَا مَالِكٌ: أَكْرَهُ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ الذُّكُورِ، كَمَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْخَزُّ لِلصِّبْيَانِ خَفِيفًا. قُلْت: أَرَأَيْت هَذِهِ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ أَيُحْرِمُ فِيهَا الرِّجَالُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا، وَأَنَا أَرَى إنْ كَانَتْ إنَّمَا صَبَغَهَا بِالزَّعْفَرَانِ فَلَا تَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُمَشَّقَ قَدْ وُسِّعَ فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ الثِّيَابِ فَلَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَلَنْسُوَةً وَقَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مَنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ: إنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ إلَى هَذِهِ الثِّيَابِ جَمِيعًا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَبِسَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَانَتْ حَاجَتُهُ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَهَا احْتَاجَ إلَى الْخُفَّيْنِ لِضَرُورَةٍ، وَالْقَمِيصِ لِضَرُورَةٍ وَالْقَلَنْسُوَةِ لِضَرُورَةٍ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا لِضَرُورَةٍ، فَلَبِسَهَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الثِّيَابِ كُلِّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ إلَى الْخُفَّيْنِ فَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ احْتَاجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَمِيصِ فَلَبِسَ الْقَمِيصَ، فَعَلَيْهِ لِلِبْسِ الْقَمِيصِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْقَمِيصِ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ جَمِيعَ أَمْرِ اللِّبَاسِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ هَلْ يَتَوَشَّحُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَعْقِدْ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَهَلْ يَحْتَبِي الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ عَقَدَ الْمُحْرِمُ عَلَى عُنُقِهِ ثَوْبَهُ الَّذِي يَتَوَشَّحُ بِهِ، أَتَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ إنَّ ذَلِكَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَحَلَّهُ أَوْ صَاحَ بِهِ رَجُلٌ فَحَلَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَانْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُخَلِّلَ عَلَيْهِ كِسَاءَهُ؟ فَقَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُخَلِّلَ عَلَيْهِ كِسَاءَهُ، قُلْت: فَإِنْ خَلَّلَ أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْعَقْدِ يَعْقِدُ إزَارَهُ أَوْ يَلْبِسُ قَمِيصَهُ، أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَنَزَعَهُ أَوْ صَاحَ بِهِ أَحَدٌ فَنَزَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُحْرِمًا غَطَّى وَجْهَهُ أَوْ رَأْسَهُ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَزَعَهُ مَكَانَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ يَنْزِعْهُ مَكَانَهُ حَتَّى انْتَفَعَ بِذَلِكَ افْتَدَى، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا غَطَّتْ وَجْهَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُوَسِّعُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْدُلَ رِدَاءَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا إذَا أَرَادَتْ سِتْرًا، فَإِنْ كَانَتْ لَا تُرِيدُ سِتْرًا فَلَا تَسْدُلُ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَا جَرَّ النَّائِمُ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ لِحَافِهِ فَاسْتَنْبَهَ فَنَزَعَهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَمْ أَرَهُ يُشْبِهُ عِنْدَهُ الْمُسْتَيْقِظَ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَأْمُرُهَا مَالِكٌ إذَا أَسْدَلَتْ رِدَاءَهَا أَنْ تُجَافِيَهُ عَنْ وَجْهِهَا؟ قَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهَا بِذَلِكَ، قُلْت: وَإِنْ أَصَابَ وَجْهَهَا الرِّدَاءُ؟ قَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّ مَالِكًا يَنْهَى عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرِّدَاءُ وَجْهَهَا إذَا أَسْدَلَتْهُ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَرْفَعَ خِمَارَهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا السَّدْلَ. قَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ إذَا رَفَعَتْهُ حَتَّى تَعْقِدَهُ، قَالَ فَعَلَيْهَا إنْ فَعَلَتْ الْفِدْيَةُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَطَّى وَجْهَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ عُذْرٍ أَوْ مَنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَنَزَعَهُ مَكَانَهُ أَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا أَوَجَاهِلًا فَنَزَعَهُ مَكَانَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قُلْت: وَفِدْيَتُهُمَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالْخَزِّ وَالْعَصَبِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُحْرِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ أَعْصِبَ عَلَى الْجِرَاحِ خِرْقَةً وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَكْرَهْهُ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحٌ، وَكَانَ يَرَى عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةَ. قُلْت أَرَأَيْت الْمُحْرِمَ إذَا عَصَبَ رَأْسَهُ مِنْ صُدَاعٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ جُرْحٍ أَوْ خُرَّاجٍ، أَوْ عَصَبَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ خُرَّاجٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالْجَسَدُ وَالرَّأْسُ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ عَصَبَ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ، قَالَ وَيَفْتَدِي بِمَا شَاءَ، إنْ شَاءَ بِطَعَامٍ وَإِنْ شَاءَ بِصِيَامٍ وَإِنْ شَاءَ بِنُسُكٍ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ وَغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ لِبْسَ الْقَبَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَكْرَهُ لِبْسَ الْقَبَاءِ لِلْجَوَارِي، وَأَفْتَانِي بِذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ يَصِفُهُنَّ وَيَصِفُ أَعْجَازَهُنَّ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلنِّسَاءِ الْحَرَائِرِ؟ قَالَ: أَخْبَرْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْإِمَاءِ، فَإِذَا كَرِهَهُ لِلْإِمَاءِ فَهُوَ لِلْحَرَائِرِ أَشَدُّ كَرَاهَةً عِنْدَهُ. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ لِبْسَ السَّرَاوِيلِ وَغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَرَى بِلِبْسِ السَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمَةِ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَغَيْرُ الْمُحْرِمَةِ عِنْدِي أَحْرَى. قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تُحْرِمَ فِي الْحُلِيِّ أَوْ تَلْبَسُهُ بَعْدَمَا تُحْرِمُ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ لِبْسَ الْحُلِيِّ. قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ تُغَطِّي ذَقَنَهَا، أَعَلَيْهَا لِذَلِكَ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ، فَكَيْفَ لِلْمَرْأَةِ، قُلْت: فَذَقَنُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ وَذَقَنُ الرَّجُلِ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي قُلْت: أَرَأَيْت الْمُحْرِمَةَ تَتَبَرْقَعُ وَتُجَافِيهِ عَنْ وَجْهِهَا هَلْ يَكْرَهُهُ مَالِكٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَيَرَى فِيهِ الْكَفَّارَةَ إنْ فَعَلَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
|